خرج خمسة شبان إلى خارج المدينة التي يقطنون فيها ، وذلك للترويح عن أنفسهم بعد
أسبوع من العمل الشاق والمتواصل ...
وهناك على أطراف المدينة كانت أشجار الزيتون ملاذهم الجميل الذي تعودوا عليه وأحبوه
وصار جزءا لا يتجزأ من برنامجهم لهذا اليوم الترفيهي .
وهم يتنقلون بين أشجار الزيتون لاحظوا سيدة عجوز تجلس بجانب إحدى أشجار الزيتون
،وقد ظهر عليها الحزن والإعياء .. اقتربوا منها ليطمئنوا على حالها ويسألوها إن كانت
بحاجة لشيء ما ..
وما ان اقتربوا منها حتى فاجأتهم بسؤالها ..
يا أبنائي كيف هي أحوالكم .. استغربوا سؤالها .. وردوا عليها بصوت واحد .. نحن بخير
المهم أنت .. لماذا انتِ هنا يا جدتنا العزيزة ... لم يسمعوا منها الجواب .. لكنهم لاحظوا
بعض الدموع وكبرياء نفس قد ارتسمت على قسمات وجهها ... أعادوا السؤال عليها ..
بماذا يمكننا أن نخدمك .. نظرت إليهم واحدا واحدا وبكيت بصوت مسموع وبصوت مجهش
خافت بدأت تقص عليهم قصتها ..
أن يا أبنائي كنت سيدة عظيمة في بيتي ... كان لي أبناء وأحفاد وبستان جميل وأشجار
زيتون خضراء ... وعندما كبرت ومات زوجي جاء الغرباء ودخلوا البيت كانوا يسمونني "
السيدة العجوز المريضة " ، وكنت اناديهم يا بناتي ... تآمروا عليَّ بالرغم من كِبر سني
واتهموني بالخَرَّف ... ولم يفعل أبنائي أي شيء لمنعهن من مواصلتهن نعتي بأقبح
الصفات ، إلى أن جاء اليوم الذي اتفقوا فيه أن يأخذونني الى بيت للعجزة كانت تديره
سيدة كبيرة السن مثلي ، كنا نناديها " أم الربيع " لأن ابنها الربيع قد استشهد في
حرب الـ 48 .. هذه قصتي ...
والان ألتحف السماء وأفترش الأرض ... فماذا يمكنكم أن تفعلوا لــ جدتكم الطاعنة في
السن في الوقت الذي جفاني فيه فلذات كبدي وأبناء رحمي ....
تأثر الأصدقاء الخمسة وقرر كل منهم أن يقدم لها كل ما بوسعه ...
فالأول قرر أن يشتري لها طعاما يكفها شهرا كاملا ...
والثاني قرر أن يشتري لها فراشا يحميها من البرد ...
والثالث قرر أن يشتري لها ملابس جديدة ....
والرابع قرر أن يشتري لها حطبا لتوقد نارا به وتتدفأ في الليل البارد ....
أما الخامس والأخير فقد قرر أن يوفر لها مصدرا للماء النظيف لتشرب وتغتسل ....
وهنا نظرت إليهم السيدة العجوز وقالت ... كل هذه الأشياء تسعدني ... ولكن هل
يمكنكم إعادتي الى بيتي الجميل و أن تقنعوا أبنائي أنني أحتاج أن أعيش بأمان فيه ...
وأن كل ما يُقال عني ليس بصحيح ... ما أجمل البيت يا أولادي وما أجمل لقائي بأبنائي
.. وما أروعهم وهم يلتفون حولي ... هل يمكنكم إعادتي إلى بيتي الكبير ..؟؟!!
ومن يومها والسيدة العجوز تروح وتجيء بين شجيرات الزيتون في انتظار عودة أبناؤها عن
هجرها الموجع ونسيان الأصدقاء الخمسة لــ قصة جدتهم العجوز ...
وبعد شهرين عاد الأصدقاء الخمسة إلى نفس المكان وكانوا قد نسوا أمر السيدة العجوز
.. لكنهم بُهتوا حين وجدوا قبر في نفس المكان الذي كانت فيه .. ووجدوا بجانب القبر
وفوق قطعة من الرخام الأبيض مكتوب :
" انتظرتكم ولم تأتوا .. وانتظرتهم ولم يأتوا .. وتذكرني الموت ..
اذكروا الموت واعملوا لهذا اليوم .