اول سفير فى الاسلام وامير الدعاه
اسلم مصعب فعلمت به أمه وكانت تحبه حبا شديدا فحاولت أن تثنيه عن الإسلام ولسان حالها ومقالها: لا تتشدد يا بني ماذا تريد من هذا الدين أتريد أن تمنع نفسك من الغناء ومن النساء ومن الشهوات إن الدين يبعد عنها ويمنعك منها وأنت تعلم أن الحياة لا تصفوا إلا بهذه الأمور، ولكن مصعبا يعلم أن ما حرمه الله عليه في الدنيا سوف يجده عند الله في الجنة أما الغناء فسوف يسمع الحور العين يغنين له في الجنة أما النساء ففي الجنة ما يروي عطش الظمآن ويطفئ سعار شهوة اللهفان من حور عين لو اطلعت إحداهن على أهل الدنيا لأضاءت لها الأرض ولافتتن أهل الدنيا بها ولخمارها خير من الدنيا وما فيها، وأما الخمر ففي الجنة، فهو من خمر لذة للشاربين لا تزيل العقل ولا تضعف البدن، فليست هناك مقارنة في الأصل بين الدنيا والآخرة ومع هذا كله فللمؤمن مغفرة من الله وله من كل الثم...رات ومن كل ما تشتهي نفسه وتلذّ عينه مع خلود أبدي لا موت ولا فوت هل هذا كمن هو خالد في النار وسقوا ماءا حميما فقطع أمعاءهم؟ كلا ليست هناك مقارنة وليس هناك أي تنازل عند مصعب أمام والدته وليس لديه خيار آخر غير الإسلام فضيقت عليه ومنعته من كل نعيم كان فيه ووصل الحال إلى سجنه وهو مع هذا كله لم يزدَدْ إلا ثباتا ورسوخا ولسان حاله، ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي فلن أترك ديني مهما حل بي من ضيق وشدة، ولقد عانى معاناة شديدة وهو يعذب والسبب في ذلك أنه عاش حياة الرفاهية تصوروا عندما تغير به الحال وهو الشاب الناعم الطري الذي نشأ في أحضان النعمة والترف لم يثنه شيء من ذلك عن دينه يقول عنه سعد بن أبي وقاص : (وأما مصعب بن عمير فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا، فلما أصابه ما أصابنا من شظف العيش، لم يقو على ذلك، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية ولقد رأيته ينقطع به فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القسيّ ثم نحمله على عواتقنا)
وبعد بيعة العقبة الثانية هاجر الصحابة إلى المدينة وهاجر رسول الله مع رفيقه في الغار أبي بكر الصديق وهنا بدأ العمل الجاد لنشر الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية وكانت معركة بدر حمل فيها راية المسلمين مصعب بن عمير ودافع عنها وقاتل قتال الأبطال حتى انتصر المسلمون انتصارا ساحقا كما هو معروف، وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين وهو أسير لدى أحد الأنصار فقال له: أشدد عليه وثاقه فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك؟ فقال أبو عزيز لمصعب: أهذه وصاتك بأخيك؟ قال مصعب: إن هذا الأنصاري هو أخي دونك.
نعم إن أخوة الدين أقوى وأسمى من أخوة النسب، ثم كانت بعد غزوة أحد وكانت راية المسلمين أيضا بيد مصعب بن عمير فقاتل قتال الأبطال حتى قتل قتله ابن قمئة الليثي يظنه رسول الله، وفي مصعب وإخوانه الذين قتلوا في أحد نزل قوله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا
لك الله يا مصعب يا من ذكرك عطر للحياة تلك هي الصورة الوضيئة لهذا النموذج من المؤمنين الصادقين الذين قدموا كل ما يملكون من راحة نفس ونعمة ومال وغال ونفيس في سبيل هذا الدين ولم يعقهم أي عائق فصدقوا ما عاهدوا الله عليه فكان لهم من الله الرضا والمغفرة والفوز بجنات عدن تجري من تحتها الأنهار مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وهكذا مضى مصعب الصحابي الشاب الأسد كما يمضي كل الناس ولكنه مضى عزيزا وكبيرا قد أعذر إلى الله بعمله الدؤوب وجهده المضيء فكانت فرحته عند ربه حينما قال فيه وفي من قتل معه ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون نعم أحياء ولكن ليس كحياتنا ينعمون في الجنة ويسرحون فيها حيث شاءوا، مضى مصعب ذلك الشاب الغني المترف الذي كان يلبس أحسن الثياب وينتعل أفضل النعال مضى من الدنيا ولا يملك شيئا سوى ثوبه الذي عليه إن غطوا رأسه بدت رجلاه وإن غطوا رجليه بدا رأسه